تحيّة للجميع،

هناك بعض التجارب في الفضاء، والتي مهما تدرّبت واستعددت لها مسبقًا - لن تشعر بما ستشعر به في الحقيقة. هذا ما يحدث تمامًا في حالة انعدام الجاذبية. عند خروجي من مركبو دراغون، شعرت بالفرق فورًا. السوائل في الجسم تصعد للأعلى، وتشعر وكأن الرأس يمتلئ. هذا أيضًا سبب نومي بشكل معكوس، أيّ رأسي إلى الأسفل. حسب شعوري، في هذه الحالة تكون السوائل في الجسم متّزنة أكثر.

كل غرض يجب أن يكون مربوطًا ومتّصلًا بشيء معيّن، وإلّا - سيتجوّل في المنطقة.

لقد شاهدتموني وأنا أقف بشكل عادي، وذلك بفضل الأحزمة التي تمسك بقدمَيّ. عندما تهرب الرجل من الحزام، ينقلب جسمي فورًا، وليس لأني قرّرت أداء حركات بهلوانية. هذا ما يفعله انعدام الجاذبية في كل جسم، بما في ذلك جسم الإنسان.

لكي نفهم انعدام الجاذبية، يجب أن نبدأ من نيوتن وقانون الجاذبية الذي وضعه: "كلّ جسمين في الوجود يشغّلان على بعضهما البعض قوة تجاذب نسبية، وهذه القوة تعادل حصل ضرب كتلتيهما، مقسوم على تربيع المسافة بينهما؛ هذه قوة الجاذبية العالمية".

الأمر معقّد؟ - سأبسّط لكم الأمر: نحن لا نتطاير. في الحقيقة، نحن نسقط. نعم. روّاد الفضاء، كل ما يتواجد داخل محطة الفضاء الدولية، ومحطة الفضاء نفسها - جميعها تسقط. يعمل علينا جميعا تسارع الجاذبية على الكرة الأرضيّة، وهو غير مرتبط لكتلة الجسم الساقط. لا نتطاير. نسقط. هذه الحالة تسمى "الجاذبية الصغرى" (microgravity). هذا يعني أن هناك جاذبية معنية، لكنها تعمل على الأجسام في الفضاء بشكل يختلف عن الكرة الأرضيّة.

لنكون أدقّ في المصطلحات، نقول إنّ كلمة "ميكرو" في المصطلح الجاذبيّة الصغرى (microgravity) تعني صغير جدًا. ميكروسكوبيّة. وليس مثل المصطلح العلمي الكمّي الذي يعني - واحد بالمليون. المصطلح العام أيضًا، "الجاذبيّة الصغرى" (microgravity) قد يكون مغلطًا، لأن الجاذبيّة في مسار دوران مكوك الفضاء ومحطة الفضاء، أكبر بكثير. بالتالي، المصطلح "الجاذبيّة الصغرى" يصف عمليًا حالة يكون فيها الوزن صغير جدًا، لكن الجاذبية كبيرة.

السرّ الذي يمنعنا من الانجذاب بقوة إلى الكرة الأرضيّة، هو سر الطيران. الحركة الإهليليجيّة بسرعة كبيرة جدًا. مثلًا - محطّة الفضاء الدوليّة، التي تدور حول الكرة الأرضيّة بمسار دائري على ارتفاع يتراوح بين 278 كم و-460 كم، تتحرك بسرعة متوسطة مقدارها 27,743.8 كم/س(!) وتكمل 15.7 دورة حول الكرة الأرضيّة في اليوم. هذا السبب الذي يجعلنا نرى من المحطة كل يوم 16 شروقًا و-16 غروبًا.

الحياة تحت تأثير الجاذبية الصغرى تؤثر كثيرًا على الجسم، وتؤدي من بين جملة الأمور إلى ذبول العضلات وضعف العظام. لذلك، من المهم أن يكون الغذاء الذي نتناوله غنيًا بالكالسيوم والبروتين من أجل التغلب على ذلك. وهذا سبب أيضًا لتحضير وجبات رحلات الفضاء بحرص ودقة قبل وقت طويل، ويشارك في ذلك أخصائيو تغذية يشرفون على تركيبة الطعام، للتأكد من أنه يحتوي على القيم الغذائية المهمة والضرورية للجسم.

وإذا كنا نتحدث عن الطعام، الشيء الذي ينقصنا هنا هو الخضار والفواكه الطازجة. لكني أعلم، كبقية روّاد الفضاء، أنّ ما نأكله اليوم خلال تواجدنا في الفضاء شهي وعالي الجودة، أكثر ممّا كان عليه لدى روّاد الفضاء قبل بضع سنوات.

العالم يتقدم بسرعة في مجال أبحاث الفضاء. وما تقوم به مهمة ركيع هنا، يساهم مساهمة كبيرة في التقدم في مجال التكنولوجيا، العلوم والطب. إليكم مثالين على تجارب: تأثير الجاذبيّة الصغرى على التقدم في السنّ، جهاز المناعة ومرض الزهايمر، أو التشخيص الجيني القائم على كريسبر في ظروف الجاذبيّة الصغرى.

بما أنّهم أبلغونا أن عودتنا إلى الكرة الأرضيّة تأجلت بيوم واحد، آمل أن يكون لدي ما يكفي من الوقت لتجربة واختبار كل ما أحضرته معي. كلّي أمل بأن نعود مع بشائر خير وحقائق توفّر إجابات دقيقة ومؤكدة لكلّ الأسئلة والتساؤلات العلمية التي أرسِلت إلى هنا.

إلى هنا اليوم. تابعوني. سيكون مثيرًا للاهتمام.

مع فائق تقديري، إيتان

محطّة الفضاء الدوليّة